أختي الغالية لما النمص و هو حرام

كلمات جميلة، ونصيحة غالية، قد تغفل عنها الكثير من النساء إلا من حفظهن الله من هذه البلية الخطيرة، أعاذني الله وإياكن وجميع المسلمين والمسلمات من لعنته سبحانه وتعالى وسخطه جل وعلا، شكرا لك أختي أم مريمة، فدائما كما عهدتك تتحفينا بكل ما هو جديد ومهم وحديث العصر كما يقال، سلمت يمناك أختاه .. واسمحي لي أختي الكريمة، أن أتوج موضوعك الفذ بحكم النمص في الفقه الإسلامي، وهو جهد مقل، حتى تعم الفائدة والخير، فأقول:


يرى أكثر الفقهاء تحريم النمص ، لورود الأحاديث المصرحة بالتحريم مثل حديث ابن مسعود : لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والنامصات والمتنمصات^([1]) . وحديث عائشة : كان نبي الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الواشرة والواصلة والمتواصلة والنامصة والمتنمصة ^([2]). وغيرها من الأحاديث المصرحة بالنهي عن النمص ، والنهي يقتضي التحريم ما لم يصرفه صارف في قول جمهور الأصوليين ، وجاءت الأحاديث بلعن النامصة والمتنمصة ، واللعن لا يأتي إلا بفعل محرم ، ولذلك عدة بعض العلماء من الكبائر كالقرطبي والذهبي حيث ذكر الواصلة والنامصة والواشرة ثم قال : ( وهذه الأمور كلها قد شهدت الأحاديث بلعن فاعلها وأنها من الكبائر ) ^([3]) .

ولهذا صرح فقهاء المذاهب بتحريم النمص كابن عابدين الحنفي حيث نص على أن ( إزالة الشعر من الوجه حرام ) ^([4]) ، وقال ابن جزي المالكي : ( لا يحل للمرأة التلبيس بتغيير خلق الله تعالى ... وأن تتنمص ) ^([5]) . وقال النووي الشافعي: ( وأما النامصة بالصاد المهملة فهي التي تزيل الشعر من الوجه ، والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها ، وهذا الفعل حرام ... ) ^([6]) .

وقد صرح فقهاء الحنابلة بالتحريم أيضا ، ومنهم ابن قدامة حيث يقول : (فأما النامصة فهي التي تنتف الشعر من الوجه ، والمتنمصة المنتوف شعرها بأمرها فلا يجوز للخبر ) ^([7]) . ويقول البهوتي : ( ويحرم نمص وهو نتف الشعر من الوجه) ^([8]) . وذكر المرداوي أن مذهب الحنابلة تحريم النمص حيث يقول : (ويحرم نمص ووشر على الصحيح من المذهب) ^([9]) .

وممن صرح بتحريمه الشوكاني حيث يقول في شرحه لحديث لعن النامصة والمتنمصة : (متنمصة وهي التي تستدعي نتف الشعر من وجهها .. والنامصة المزيلة له من نفسها أو من غيرها وهو حرام ) ^([10]) .

هذا هو قول جمهور الفقهاء حيث صرحوا بتحريم النمص ، إلا أن بعض الفقهاء قد صرح بكراهته ، وبعضهم صرح بجوازه ، وقد نقل ابن حجر عن بعض الحنابلة القول بكراهة النمص إلا إذا كان شعار الفاجرات فيحرم . ^([11])

وهذا الذي نقله ابن حجر – وهو القول بالكراهة – صرح به فقهاء الحنابلة ، ففي المستوعب : (يكره أن تصل المرأة شعرها بشعر غيره ، وأن تنتف الشعر من وجهها بمنقاش ونحوه ... قال مهنا سألت أحمد عن النتف فقال : أكرهه للرجال والنساء ... ) ^([12]) .

وقال ابن مفلح : ( ويكره للرجل نتف شعر وجهه ولو بمنقاش ) ثم ذكر جواز حلقه وحفه للمرأة ، ثم قال : (ويكره نتفه سواء كان لها زوج أو لم يكن . قال أحمد : أكره النتف) ثم قال : (وقطع غير واحد بالكراهة ومنصوص أحمد التحريم) ^([13]) .

وذكر ابن مفلح في الفروع أن أحمد أخذ من حاجبيه وعارضيه كما نقله ابن هانئ . ^([14])

وهذا يبين أن للحنابلة قولاً بكراهة النمص ، وأن النهي يحمل على الكراهة التنزيهية لا التحريمية .

ويفهم من كلام الحنابلة أن لهم قولاً بالجواز ، قال المرداوي شيخ مذهب الحنابلة : (ويحرم نمص ووشر على الصحيح من المذهب وقيل لا يحرم) ^([15]) . وذكر البهوتي أن ابن الجوزي أباح النمص وحده وحمل النهي على التدليس أو أنه من شعار الفاجرات . ^([16])

وما نقله البهوتي عن ابن الجوزي أشار إليه ابن الجوزي حيث يقول : (وأما الأدوية التي تزيل الكلف ^([17])، وتحسن الوجه للزوج ، فلا أرى بها بأساً ، وكذلك أخذ الشعر من الوجه للتحسن للزوج ، ويكون حديث النامصة محمولاً على الوجهين الأولين) ^([18]) .

وممن قال بجوازه بعض الحنفية حيث يقول العيني : ( ولا تمنع الأدوية التي تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج ، وكذا أخذ الشعر منه ) ^([19]) . ونقل ابن عابدين قولاً للأحناف بأنه : ( لا بأس بأخذ الحاجبين وشعر وجهه ما لم يشبه المخنث)^([20]).

والذي يظهر لي هو صحة قول جمهور الفقهاء من أن النمص حرام ، وهذا هو الأصل ، وهو ما يدل عليه ظاهر الحديث الذي فيه لعن النامصة والمتنمصة ، واللعن لا يكون على فعل مباح بل على حرام .




([1]) تقدم تخريجه ص 9 .


([2]) تقدم تخريجه ص 9 .


([3]) الجامع لأحكام القرآن (5/252) . وانظر الكبائر للذهبي (153) .


([4]) حاشية ابن عابدين (5/239) .


([5]) القوانين الفقهية (482) .


([6]) شرح صحيح مسلم (14/106) .


([7]) المغني (1/68) .


([8]) كشاف القناع (1/81 – 82) ، وانظر شرح منتهى الإرادات (1/41) .


([9]) الإنصاف (1/125) .


([10]) نيل الأوطار (6/216) ، وانظر فتح الباري (11/568) ، والمحلى (10/75) .


([11]) فتح الباري (10/378) .


([12]) المستوعب للسامري (1/262) .


([13]) الآداب الشرعية (3/339) .


([14]) الفروع (1/130) .


([15]) الإنصاف (1/125) .


([16]) كشاف القناع (1/81 – 82) .


([17]) يقال كلف الوجه إذا تغيرت بشرته بلون علاه ، ويقال للبهق كلف . المصباح المنير (205) مادة "كلف".


([18]) أحكام النساء (339 – 340) .


([19]) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/193) .


([20]) حاشية ابن عابدين (5/239) .

جزاك الله خيرا

ام مريمة كتب:جزاك الله خيرا

وأنت من أهل الجزاء