Uncle Boonmee Who Can Recall His Past Lives 2010

من طرف The Lost Dream الخميس نوفمبر 18, 2010 5:17 am

Uncle Boonmee Who Can Recall His Past Lives 2010

خصّ مهرجان دمشق السينمائي هذا العام رواده بعدد كبير من اهم انتاجات 2010 ,, بالاخص الانتاجات التي لاقت صدى واحتفاء واقبال جماهيري ونقدي وجوائزي في اغلب المهرجانات الاوروبية ابتداءا من الفلم التركي الحائز على دب برلين الذهبي Bal ,, كما جرت العادة بأن يكون فلم الافتتاح لمهرجان دمشق السينمائي ,, هو الفلم الحائز على جائزة الدب الذهبي في برلين ,,

اضافة لفلم صوفيا كوبولا Somewhere الحائز على جائزة الاسد الذهبي في فينيسيا هذا العام ,, مرورا بفلم Another Year للعملاق مايك لي والمرشح فوق العادة لدخول حفل كوداك مرشحا بنصف دستة من الترشيحات ,, بعدما كان مرشحا فوق العادة لانتزاع سعفة كان الثانية للانكليزي المتألق ,, وفلم ايناريتو المكسيكي Biutiful والذي تحصل على جائزة افضل ممثل في مهرجان كان الاخير والتي كانت من نصيب المتألق خافيير بارديم ,,
كما عُرض فلم المخرج التركي \ الالماني فاتح اكين صاحب رائعة head-on والذي حظي باحتفاء كبير في مهرجان فينيسيا الاخير اثر مشاركته بفلم Soul Kitchen ,, ايضا الفلم الذي حاز على الجائزة الذهبية في مهرجان دمشق لهذا العام ,, الفلم الجزائري Hors-la-loi أو الخارجون عن القانون ,, والذي شارك في نسخة كان الاخيرة واثار الكثير من الجدل والحبر والدخان المسيل للدموع ,,

وانتهاءا بفلم العام ,, أو مفاجأة العام ان صح التعبير ,, صاحب سعفة اخر نسخة من نسخ مهرجان كان الفلم التايلندي للمخرج ايتشاتبونغ ويراسثاكول Uncle Boonmee Who Can Recall His Past Lives

رغم ان ضيق الوقت ,, واهتمامي بتظاهرة المخرج الفرنسي ايريك رومير منعني من مشاهدة اغلب هذه الافلام ,,ألا أني كنت مصرا على مشاهدة الفلم التايلندي السابق الذكر في قاعة السينما ,, ليس فقط بدافع الفضول ,, بل لارصد صحة التوقعات التي شاعت منذ فوز هذا الفلم بأهم جائزة سينمائية,, والتي ربطت ما بين نمط الفلم ونمطية المخرج الاميركي تيم بورتون رئيس تحكيم لجنة كان الاخيرة ,, وخصوصا بعدما رشحه النقاد الاميركان للوصول الى لائحة الخمس افلام المتنافسة على جائزة افضل فلم اجنبي العام القادم ,, والمراجعات الايجابية الكثيرة التي نالها الفلم بعد عرضه ,, وخصوصا انه فلم ينتمي لسينما مجهولة ,, بعيدة كل البعد عن الخارطة السينمائية .

Uncle Boonmee Who Can Recall His Past Lives 2010 Uncle-Boonmee-Who-Can-Rec-001

يعتبر الفلم من الافلام التي تستوجب على المشاهد ان تكون لديه خلفية أو معرفة عن فكرة الفلم ,, كي يستطع الاحاطة بكامل افكاره واسقاطاته ورمزيته ,, افكار مثل تقمص الارواح او التواصل مع الحيوات الاخرى أو قدرة التواصل مع الاموات ,, والعلاقة الازلية التي تربط ما بين الروح والطبيعة ,, حسب بعض المعتقدات البوذية والدينية لسكان شرق آسيا ,,

يبدأ الفلم برتم بطيء .. يُلاحظ من خلاله اهتمام المخرج بأدق التفاصيل التي تحيط بشخصياته ,, المنزل ,, المناخ ,, البيئة ,, الطبيعة ,, اصوات الحشرات ,, خرخرة المياة ,, الضوء ,, وفي نفس الوقت يعتمد على الارتفاع المفاجئ في نسق الفلم ,, في لحظات غير متوقعة " كظهور هواي زوجة بونمي السابقة على شكل شبح – او ظهور بومسونغ ابن بونمي على شكل حيوان بعينين حمراوين متوهجتين " ليعطي انطباع مباشر عن ردة فعل سكان ذلك المنزل تجاه هذه الظواهر الخارقة ,, وتعايشهم معها بشكل يومي لدرجة اعتادوا التواصل معها والأستجابة لها ,,

بونمي رجل تايلندي ,, يعاني من مرض في كليته ,, انتقل برفقة زوجته وخادمه جاي الى احدى المناطق الريفية ,, لديه القدرة ليس فقط على استعادة حيواته السابقة كما في معتقداتهم ,, بل قادر على استعادة حيوات اولائك الاشخاص الذين رافقوه في حياتهم وماتوا بعدما تركوا فراغا لديه ,, كما زوجته وابنه ,

يتعايش بونمي مع قدرته بشكل اعتيادي ,, ناتج عن ايمانه بمدى قدرة الأرواح على التجسيد ولايمانه بأن الروح هي جزء من الطبيعة ,,

Uncle Boonmee Who Can Recall His Past Lives 2010 Uncle-Boonmee-Who-Can-Recall-His-Past-Lives1-535x356

في الاعتقاد البوذي تتجسد الارواح نتيجة غضبها ,, أو نتيجة الاذى الذي لحق بالطبيعة ,, في نفس الوقت الذي من الممكن ان تتجسد فيه على شكل بعوض يحوم حول مصباح مضاء في الليل ,, أو على شكل سمكة في مياه عذبة تظهر في الاحلام والتي تـُعتبر دليل على وجود تلك الارواح وشعورها بما يحيط بها وقدرتها على التواصل مع الاحياء
" اغرق ايتشاتبونغ فلمه بتفاصيل صغيرة جدا تشير الى الحشرات او الحيوانات التي تحوم حول المنزل "
قد تبدو مبدايا للمشاهد ,, مجرد مشاهد لا هدف منها

يقول بونمي لزوجته معبرا عن ألمه من جراء المرض الذي اصاب كليتيه ,, وشعور الندم واضح عليه : بأن ما يعانيه ليس سوى عقاب ,, عقاب على التحاقه بالجيش في يوم من الايام ومشاركته في قتل الشيوعيين , وايضا لاصطياد وقتل الكثير من الحيوانات ,, فتجيبه زوجته ,, بأنه كان يمارس تلك الاعمال بنية صافية ,,

عاث الشيوعيين في فترة من فترات التاريخ التايلندي فسادا في تلك البلاد ,, مما دعا لاشتعال الثورات الشعبية ضدهم والوقوف في وجه جبروتهم ,, مما ادى لقيام حروب اهلية ,,

ما يثير ندم بونمي ,, هو قتل ارواح ,, فالشيوعي مهما بلغت درجة جبروته وتسلطه وسوءه ,, فهو في النهاية روح مثله مثل أي حيوان اخر شارك بونمي في قتله ,, عملية ساعدت على زعزعة توازن الطبيعة الام التي ترسل رسائلها باستمرار لبونمي عبر ارواحه السابقة ,, ارواحه التي سكنت عدة اجساد ,, قد تكون اجساد حيوانات ,,

شعوره هذا توطئ وازداد ,, مع عودة ابنه المفقود على هيئة قرد ذو عينان حمراوان , والذي يــُعتبر صورة من صور استحضار بونمي لروح ابنه الميت , ابنه الذي مارس هواية التصوير الفوتوغرافي قبل ان يختفي ,, ويستسلم لفضوله الذي ادي به ألى التوحد مع الطبيعة ,, قبل ان يلتحم بها ويصبح احد حراسها " مرة اخرى نجد ان المخرج التايلندي ايتشاتبونغ يستعمل الكثير من المشاهد التي تظهر مجموعة من القردة العملاقة ذات العيون الحمراء المتوهجة التي تراقب من بعيد في لقطات مظلمة جدا لا يظهر من خلالها ألا تلك العيون في فترات عبثية من الفلم ,, "

الحلم الذي راود العم بونمي كان أهم مفصل من مفاصل العمل ,, حينما راودته رؤيا مستقبلية ,, عن التعذيب الذي تتعرض لها روح ابنه ,, على يدي اشخاص يرتدون البذل العسكرية ,, والاهم ان هذا الحلم راوده عبر احدى ارواحه السابقة ,, الماضية التي تقمصها ,, وكأنه يشير الى استمرار الصراع ما بين الانسان والطبيعة ,, وصيرورته ,, انبعاثها في الماضي واستمرارها في المستقبل والتناقض الغريب ما بين رفض الطبيعة للطريقة التي يتطور فيها الانسان والطريقة التي يحقق فيها مصالحه ,, وما بين انانيته ونرجسيته ,, وما بين ردة فعل الطبيعة موطن الارواح ومسكنها ,, تجاه هذه الافعال ,, الرافضة لها ولكل شكل من اشكال الحروب والقتل

Uncle Boonmee Who Can Recall His Past Lives 2010 0032

ذلك الحلم ,, مكنه من اتخاذ القرار ,, قرار المرور عبر النافذة ما بين العالمين ,, عالم تكون فيه الروح حبيسة الجسد ,, وعالم تتوحد فيه مع الطبيعة وتعود لموطنها الاصلي ,, فاستدعى روح زوجته السابقة ورافقها الى اعمق نقاط ومناطق الطبيعة في احد الكهوف المهجورة ,, وسلم للطبيعة روحه ,,

المشهد الختامي والذي برأيي واحد من أكثر المشاهد قدرة على إسالة الكثير من الحبر ,, ربما لاختلاف التفاسير ,, او ربما لقوة المشهد واحتواءه على كم عظيم من التفاصيل الذي من غير الممكن الاحاطة بها جميعها ,, رغم ان خطوطها العامة والعريضة واضحة ,, فضلا عن قوة المشهد ,, ووجوب احتواء أي مراجعة عن هذا الفلم لشرح كافي لها ,,

فبعد موت بونمي ,, تم تأبينه بطقوس بوذية في احد المعابد ,, في نفس الوقت الذي كانت فيه زوجته تحضر لترتيبات الجنازة ومصاريفها ,, واذا بالباب يقرع ,, ويدخل أحد الرهبان ,, (( يُحرّم على الراهب البوذي الاختلاط بالنساء , وألا فأنه خرق أحدى العهود الدينية )) ,, ولكن هذا الراهب قد ضاق ذرعا بغرفته المظلمة ,, وديكورها الديني ,, فآثر دخول غرفة زوجة بونمي ,, والاستحمام في حمامها ,, في نفس الوقت التي كانت فيه جين " زوجة بونمي " تشاهد التلفاز ,, وواضح على مُحياها آثار الياس ,, والاستغراب ,, دون ان يقدم لك المخرج تفسيرا لهذا اليأس ,, او حتى مشهدا يوضح ما تشاهده على التلفاز ,, ,, واذا بروحها تنفصل عن جسدها ,, وبروح الكاهن تنفصل عن جسده ,(( في احدى المشاهد المفاجأة التي تصعد بنسق الفلم بذات الطريقة التي اتبعها المخرج في بداية الفلم والاجمل من ذاك ,, انك تشعر كمشاهد ,, انها امور طبيعية ,, رغم احساسك بغرابتها )) , ويخرجان من الغرفة تاركين جسدهما يتابع مشاهدة التلفاز ,, حينها يعطي المخرج صورة خلفية للغرفة يوضح فيه شاشة التلفاز ,, الذي يعرض صورا عسكرية وضحايا وحروب وصناعات عسكرية ,,

في نفس الوقت الذي تتجول فيه روحي جين والكاهن في غرفة من غرف مطعم يحوي موسيقا منعشة ,, واجواء حميمية ,,

استحمام الكاهن ,, كان احياءا لطقس من طقوس استخراج الروح من الجسد ,, ألا وهو تطهير الجسد ,, وكأنه يحضر نفسه للموت

من جهة اراد المخرج ان يوضح عجز الدين عن خلق تلك العلاقة المتزنة ما بين رغبة الانسان في التطور والسيطرة ,, وما بين الحاجة لمراعاة قوى الطبيعة موطن الارواح ,, ووجوب التنازل عن الحاجات المادية البحتة في مقابل تغذية الروح ,, وتغذية شبابها (( وخصوصا في المشهد الذي تُسلم فيها جين نفسها لسمكة سحرية تترجاها بأن تعيد لها شبابها الضائع وترحم روحها العاجزة ,, وقدمت لها قربانا عن تلك الطلبات كل ما تملك من حلي وذهب وجواهر او ما يمكن تسميته ,, اجور مادية ))

ومن جهة اخرى وكأن المخرج يتنبئ باستسلام الطبيعة في صراعها مع الانسان ,, وتركه لمصيره المجهول الذي يعني انتفاء جنسه ,, وانتهاء وجوده ,, وكأنه يقول ,, بأن الانسان قادر في سبيل مصالحه على الانقلاب حتى على طبيعته وروحه ونفسه ,,

لا اخفي شعوري بالسعادة لفوز هذا الفلم بالسعفة ,, ولتعرفي على هكذا نمط من الافلام ,, التي تستقي افكارها من ارضية شديدة الخصوصية لشعب مجهول لبلد مجهول ,, ولسينما مجهولة ,,
ما يميز هذا الفلم ,, - عدا عن ذلك - بناءه ,, فقد بدا الفلم وكأنه لعبة بازل عملاقة ,, بدأ مخرجها بوضع قطع متباعدة منها على ارضية بيضاء ,, لا تعطي للمشهد أي تفسير او معنى ,, ومع توالي وضع قطع البازل ,, تتضح الصورة رويدا رويدا ,, لتنكشف الصورة الختامية العملاقة عن مشهد من اجمل المشاهد السينمائية التي من الممكن تخيلها

فقد حرص المخرج على صنع رهبة ووهرة خاصة للقطاته ,, خصوصا تلك التي تصور المشاهد الطبيعية ,, بداية من مشهد الشلال والسمكة المميز , وغرق الكاميرا تحت الماء , وانتهاءا بمشاهد الكهف الغريب الخلابة , مشاهد جمالية اخرجت بحس عالي جاورها مونتاج صوتي ربما هو الافضل من بين ما شاهدت منذ فلم ديفيد لانش Mulholland Dr عام 2001 ,, وقد اتخذ من صوت المياة وأزيز الحشرات واصوات الليل مع همس غريب غير منقطع خلفية موسيقية لمشاهده الجمالية ,, الكثيرة , مكنت المشاهد من الاستسلام والتأمل في افكار هذا الفلم ,, واجواءه الغريبة ,,

من الجميل مشاهدة فلم بهذه النوعية بين الفينة والاخرى ,, فلم ايتشاتبونغ ويراسثاكول ذكرني بشكل أو بأخر بفلم لارس فون ترير العام الماضي AntiChrist في طريقة معالجته لفكرة فلمه ,, واستعماله الحثيث للرمز ,, وباهتمامه بجمالية الفلم ,, ربما قد لا يكون ذلك الفلم الذي يجمع الكل على جودته أو يحظى بمديحهم ,, ولكن هذا لا يمنع من كونه حالة خاصة تستحق الوقوف عندها ,, وتستحق ان تــُقدم عدة مراجعات وتفاسير لفكرته ,,

ولا بد في النهاية من ذكر الاختلاف الكبير ,, بين ما قدمه هذا الفلم ,, وبين طريقة معالجته لعوالمه الغريبة ,, وبين نمطية تيم بورتون السينمائية ,, وطريقته الفانتازية في اخراج افلامه واختيار نصوصها ,,
ولا بد من الاشارة ,, الى ان اعطاء هذا الفلم ,, فرصة الحصول على الجائزة الكبرى في سباق يتنافس فيه افلام مخرجين كبار كمايك لي ورشيد بوشارب ونيكيتا ماكلوف وعباس كيروستامي وتاكيشي كيتانو امر يستحق الثناء خصوصا انه الفلم الاسيوي الوحيد الذي تحصل على السعفة منذ 13 عام ,, كان اخرها فوز عباس كيروستامي عام الـ 97 عن فلمه Taste of cherry .. ومن جهة اخرى فيه نوع من التعريف على سينما مجهولة ,,
اضافة ألى ان فوز هذا الفلم فعلا هو تكريم لسينما الحالات الخاصة ,, التي لن تجد فرصتها في حفلات أو مهرجانات تكريمية اخرى ,,