دخول
مواضيع مماثلة
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 4236 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو ismailajray فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 32000 مساهمة في هذا المنتدى في 7320 موضوع
المواضيع الأخيرة
و اجني الارباح
COUR RESEAU
السيرة النبوية
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
السيرة النبوية
أمر دوس ذي ثعلبان ، و ابتداء ملك الحبشة ، و ذكر أرياط المستولي على اليمن
فرار دوس ذي ثعلبان من ذي نواس واستنجاده بقيصر
قال ابن إسحاق : وأفلت منهم رجل من سبأ ، يقال له : دوس ذو ثعلبان ، على فرس له ، فسلك الرمل فأعجزهم ؛ فمضى على وجهه ذلك، حتى أتى قيصر ملك الروم ، فاستنصره على ذي نواس وجنوده ، وأخبره بما بلغ منهم ؛ فقال له : بعدت بلادك منا ، ولكن سأكتب لك إلى ملك الحبشة فإنه على هذا الدين ، وهو أقرب إلى بلادك ، وكتب إليه يأمره بنصره والطلب بثأره .
النجاشي ينصر دوسا
فقدم دوس على النجاشي بكتاب قيصر ، فبعث معه سبعين ألفا من الحبشة ، وأمر عليهم رجلا منهم يقال له أرياط ، ومعه في جنده أبرهة الأشرم ؛ فركب أرياط البحر حتى نزل بساحل اليمن ، ومعه دوس ذو ثعلبان .
نهاية ذي نواس
وسار إليه ذو نواس في حمير ، ومن أطاعه من قبائل اليمن ؛ فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه . فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه في البحر ، ثم ضربه فدخل به ، فخاض به ضحضاح البحر ، حتى أفضى به إلى غمره ، فأدخله فيه ، وكان آخر العهد به . ودخل أرياط اليمن ، فملكها .
شعر في دوس و ما كان منه
فقال رجل من أهل اليمن - وهو يذكر ما ساق إليهم دوس من أمر الحبشة :
لا كدوس ولا كأعلاق رحله
فهي مثل باليمن إلى هذا اليوم .
قول ذي جدن الحميري في هذه القصة
وقال ذو جدن الحميري :
هونكِ ليس يرد الدمع ما فاتا * لا تهلكي أسفا في إثر من ماتا
أبعد بينون لا عين ولا أثر * وبعد سلحين يبني الناس أبياتا
بينون وسلحين وغمدان : من حصون اليمن التي هدمها أرياط . ولم يكن في الناس مثلها .
وقال ذو جدن أيضا :
دعيني لا أبا لك لن تُطيقي * لحاك الله قد أنزفت ريقي
لدى عزف القيان إذ انتشينا * وإذ نُسقى من الخمر الرحيق
وشرب الخمر ليس علي عارا * إذا لم يشكني فيها رفيقي
فإن الموت لا ينهاه ناه * ولو شرب الشفاء مع النشوق
ولا مترهب في أسطوان * يناطح جُدْره بيض الأنوق
وغمدان الذي حدثت عنه * بنوه مُسَمَّكا في رأس نِيق
ِبمَنْهَمَةٍ وأسفله جرون * وحر الموحل اللثق الزليق
مصابيح السليط تلوح فيه * إذا يمسي كتوماض البروق
ونخلته التي غُرست إليه * يكاد البسر يهصر بالعذوق
فأصبح بعد جدته رمادا * وغيرَّ حسنه لهب الحريق
وأسلم ذو نواس مستكينا * وحذر قومه ضنك المضيق
قول ربيعة ابن الذئبة الثقفي في هذه القصة
وقال عبدالله ابن الذئبة الثقفي في ذلك . قال ابن هشام :الذئبة أمه ، واسمه ربيعة بن عبد ياليل بن سالم بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي:
لعمرك ما للفتى من مفر * مع الموت يلحقه والكبرْ
لعمرك ما للفتى صُحرة * لعمرك ما إنْ له من وزرْ
أبعد قبائل من حمير * أُبيدوا صباحا بذات العبر
بألفِ ألوفٍ وحُرَّابة * كمثل السماء قبيل المطر
يُصم صياحهم المقربات * وينفون من قاتلوا بالذفر
سَعَاِليَ مثل عديد الترا ب * تيبس منهم رطاب الشجر
قول عمرو بن معدي كرب الزبيدي في هذه القصة
وقال عمرو بن معدي كرب الزبيدي في شيء كان بينه وبين قيس بن مكشوح المرادي ، فبلغه أنه يتوعده ، فقال يذكر حمير وعزها ، وما زال من ملكها عنها :
أتوعدني كأنك ذو رعين * بأفضل عيشة ، أو ذو نُواسِ
وكائن كان قبلك من نعيم * وملك ثابت في الناس راسي
قديم عهده من عهد عاد * عظيم قاهر الجبروت قاسي
فأمسى أهله بادوا وأمسى * يحول من أناس في أناس
نسب زبيد ومراد
قال ابن هشام :زبيد بن سلمة بن مازن بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج ، ويقال : زبيد بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة ، ويقال : زبيد بن صعب بن سعد . ومراد : يحابر بن مذحج .
لماذا قال عمرو بن معدي كرب هذا الشعر ؟
قال ابن هشام :وحدثني أبو عبيدة ، قال :
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سلمان بن ربيعة الباهلي ، و باهلةبن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان ، وهو بأرمينية يأمره أن يفضل أصحاب الخيل العراب على أصحاب الخيل المقارف في العطاء ؛ فعرض الخيل ، فمر به فرس عمرو بن معدي كرب ؛ فقال له سلمان : فرسك هذا مقرف ؛ فغضب عمرو ، وقال : هجين عرف هجينا مثله ؛ فوثب إليه قيس فتوعده ؛ فقال عمرو هذه الأبيات .
تصديق قول شق وسطيح
قال ابن هشام :فهذا الذي عنى سطيح الكاهن بقوله : ( ليهبطن أرضكم الحبش ، فليملكن ما بين أبين إلى جرش ) . والذي عنى شق الكاهن بقوله: ( لينزلن أرضكم السودان ، فليغلبن على كل طفلة البنان ، و ليملكن ما بين أبين إلى نجران ) .
غلب أبرهة الأشرم على أمر اليمن ، و قتل أرياط
ما كان بين أرياط و أبرهة
قال ابن إسحاق : فأقام أرياط بأرض اليمن سنين في سلطانه ذلك ، ثم نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي - و كان في جنده - حتى تفرقت الحبشة عليهما .
فانحاز إلى كل واحد منهما طائفة منهم ، ثم سار أحدهما إلى الآخر ، فلما تقارب الناس أرسل أبرهة إلى أرياط : إنك لا تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئا فابرز إلي وأبرز إليك ، فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده .
فأرسل إليه أرياط : أنصفت فخرج إليه أبرهة ، وكان رجلا قصيرا لحيما حادرا وكان ذا دين في النصرانية ؛ وخرج إليه أرياط ، وكان رجلا جميلا عظيما طويلا ، وفي يده حربة له . وخلف أبرهة غلام له ، يقال له عتودة، يمنع ظهره . فرفع أرياط الحربة فضرب أبرهة ، يريد يافوخه ، فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته ، فبذلك سمي أبرهة الأشرم ، وحمل عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله ، وانصرف جند أرياط إلى أبرهة ، فاجتمعت عليه الحبشة باليمن ، و وَدَى أبرهة أرياط .
غضب النجاشي على أبرهة لقتله أرياط ثم رضاؤه عنه
فلما بلغ النجاشي غضب غضبا شديدا وقال : عدا على أميري فقتله بغير أمري ، ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ، ويجز ناصيته . فحلق أبرهة رأسه وملأ جرأبا من تراب اليمن ، ثم بعث به إلى النجاشي ، ثم كتب إليه :
أيها الملك : إنما كان أرياط عبدك ، وأنا عبدك ، فاختلفنا في أمرك ، وكلٌّ طاعته لك ، إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط لها وأسوس منه ؛ وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك ، وبعثت إليه بجراب تراب من أرضي ، ليضعه تحت قدميه ، فيبر قسمه فيّ .
فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه ، وكتب إليه : أنِ اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري . فأقام أبرهة باليمن .
أمر الفيل ، و قصة النسأة
بناء القليس أو كنيسة أبرهة
ثم إن أبرهة بنى القُلَّيْس بصنعاء ، فبنى كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ، ثم كتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي ، غضب رجل من النسأة ، أحد بني فُقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر .
معنى النسأة
والنسأة : الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية ، فيحلون الشهر من الأشهر الحرم ، ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل ، ليواطئوا عدة ما حرم الله ، ويؤخرون ذلك الشهر ففيه أنزل الله تبارك وتعالى : ( إنما النسيء زيادة في الكفر يُضل به الذين كفروا ، يحلونه عاما ، ويحرمونه عاما ، ليواطئوا عدة ما حرم الله ) .
المواطأة لغة
قال ابن هشام : ليواطئوا : ليوافقوا : والمواطأة : الموافقة ، تقول العرب : واطأتك على هذا الأمر ، أي وافقتك عليه . والإيطاء في الشعر الموافقة ، وهو اتفاق القافيتين من لفظ واحد ، وجنس واحد ، نحو قول العجَّاج - واسم العجاج عبدالله بن رؤبة أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار - :
في أُثعبان المَنْجَنونَ المرسلِ *
ثم قال :
مد الخليج في الخليج المرسل
وهذان البيتان في أرجوزة له .
أول من ابتدع النسيء
قال ابن إسحاق : وكان أول من نسأ الشهور علىالعرب ، فأحلت منها ما أحل ، وحرمت منها ما حرم القَلَمَّس ، وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة .
ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد بن حذيفة ، ثم قام بعد عباد : قلع بن عباد ، ثم قام بعد قلع : أمية بن قلع ، ثم قام بعد أمية : عوف بن أمية ، ثم قام بعد عوف أبو ثمامة جنادة بن عوف ، وكان آخرهم ، وعليه قام الإسلام ، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه ، فحرم الأشهر الحرم الأربعة : رجبا ، وذا القعدة ، وذا الحجة ، والمحرم .
فإذا أراد أن يحل منها شيئا أحل المحرم فأحلوه ، وحرم مكانه صفر فحرموه ، ليواطئوا عدة الأربعة الأشهر الحرم . فإذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال : اللهم إني قد أحللت لك أحد الصفرين ، الصفر الأول ، ونسأت الآخر للعام المقبل ، فقال في ذلك عمير بن قيس جذل الطعان أحد بني فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة ، يفخر بالنسأة على العرب :
لقد علمت معد أن قومي * كرام الناس أن لهم كراما
فأي الناس فاتونا بوتر * وأي الناس لم نعلك لجاما
ألسنا الناسئين على معد * شهور الحل نجعلها حراما ؟
قال ابن هشام : أول الأشهر الحرم المحرم .
الكناني يحدث في القليس ، و حملة أبرهة على الكعبة
قال ابن إسحاق : فخرج الكناني حتى أتى القليس فقعد فيها - قال ابن هشام :يعني أحدث فيها - قال ابن إسحاق : ثم خرج فلحق بأرضه ، فأخبر بذلك أبرهة فقال : من صنع هذا ؟ فقيل له : صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة لما سمع قولك : ( أصرف إليها حج العرب ) غضب فجاء فقعد فيها ، أي أنها ليست لذلك بأهل .
خروج أبرهة لهدم الكعبة
فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ، ثم سار وخرج معه بالفيل ؛ وسمعت بذلك العرب ، فأعظموه وفظعوا به ، ورأوا جهاده حقا عليهم ، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة ، بيت الله الحرام .
أشراف اليمن يدافعون عن البيت
فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له : ذو نفر ، فدعا قومه ، ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة ، وجهاده عن بيت الله الحرام ، وما يريد من هدمه وإخرابه ؛ فأجابه إلى ذلك من أجابه ، ثم عرض له فقاتله ، فهزم ذو نفر وأصحابه ، وأخذ له ذو نفر فأتي به أسيرا ، فلما أراد قتله قال له ذو نفر : أيها الملك ، لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي ؛ فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق ، وكان أبرهة رجلا حليما .
خثعم تجاهد أبرهة
ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له ، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قَبِيْلَيْ خثعم : شهران وناهس ، ومن تبعه من قبائل العرب ، فقاتله فهزمه أبرهة ، وأخذ له نفيل أسيرا ، فأتي به ، فلما هم بقتله قال له نفيل : أيها الملك ، لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي لك على قبيلَيْ خثعم : شهران وناهس بالسمع والطاعة ، فخلى سبيله .
ابن معتب و أبرهة
وخرج به معه يدله ، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف في رجال ثقيف .
نسب ثقيف و شعر ابن الصلت في ذلك
واسم ثقيف : قسي بن النبيت بن منبه بن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار بن معد بن عدنان .
قال أمية بن أبي الصلت الثقفي :
قومي إياد لو أنهم أمم * أو لو أقاموا فتهزل النعم
قوم لهم ساحة العراق إذا * ساروا جميعا والقط والقلم
وقال أمية بن أبي الصلت أيضا :
فإما تسألي عني لُبينى * وعن نسبي أخبرك اليقينا
فإنا للنبيت أبي قسي * لمنصور بن يقدم الأقدمينا
قال ابن هشام : ثقيف : قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . والبيتان الأولان والآخران في قصيدتين لأمية .
ثقيف تهادن أبرهة
قال ابن إسحاق : فقالوا له : أيها الملك ، إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ، ليس عندنا لك خلاف ، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللات - إنما تريد البيت الذي بمكة ، ونحن نبعث معك من يدلك عليه ، فتجاوز عنهم .
اللات
واللات : بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة .
قال ابن هشام : أنشدني أبو عبيدة النحوي لضرار بن الخطاب الفهري :
وفرت ثقيف إلى لاتها * بمنقلب الخائب الخاسر
وهذا البيت في أبيات له .
أبو رغال ورجم قبره
قال ابن إسحاق : فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة ، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس ؛ فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك ، فرجمت قبره العرب ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس .
الأسود بن مقصود يهاجم مكة
فلما نزل أبرهة المغمس ، بعث رجلا من الحبشة يقال له : الأسود بن مقصود على خيل له ، حتى انتهى إلى مكة ، فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم ، وأصاب فيها مائتي بعير لعبدالمطلب بن هاشم ، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها ، فهمت قريش وكنانة وهذيل ، ومن كان بذلك الحرم من سائر الناس بقتاله ، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به ، فتركوا ذلك .
رسول أبرهة إلى مكة
وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وقال له : سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفها ، ثم قال له : إن الملك يقول لك : إني لم آت لحربكم ، إنما جئت لهدم هذا البيت ، فإن لم تعرضوا دونه بحرب ، فلا حاجة لي بدمائكم ، فإن هو لم يرد حربي فأتني به .
فلما دخل حناطة مكة ، سأل عن سيد قريش وشريفها ، فقيل له : عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ؛ فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة ؛ فقال له عبدالمطلب : والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك من طاقة ، هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام - أو كما قال - فإنْ يمنعه منه فهو بيته وحرمه ، وإن يخل بينه وبينه ، فوالله ما عندنا دفع عنه ؛ فقال له حناطة : فانطلق معي إليه ، فإنه قد أمرني أن آتيه بك .
أنيس يشفع لعبدالمطلب
فانطلق معه عبدالمطلب ، ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر ، فسأل عن ذي نفر ، وكان له صديقا ، حتى دخل عليه وهو في محبسه ، فقال له : يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا ؟ فقال له ذو نفر : وما غناء رجل أسير بِيدَيْ ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا ما عندنا غناء في شيء مما نزل بك إلا أنّ أُنيسا سائس الفيل صديق لي ، وسأرسل إليه فأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك ، فتكلمه بما بدا لك و يشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك ؛ فقال : حسبي .
فبعث ذو نفر إلى أنيس ، فقال له : إن عبدالمطلب سيد قريش ، وصاحب عير مكة ، يطعم الناس بالسهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، وقد أصاب له الملك مائتي بعير ، فاستأذن له عليه ، وانفعه عنده بما استطعت ؛ فقال : أفعل .
فكلم أنيس أبرهة ، فقال له : أيها الملك ، هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك ، وهو صاحب عير مكة ، وهو يطعم الناس في السهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، فأذن له عليك ، فيكلمك في حاجته ، و أحسن إليه ، قال : فأذن له أبرهة .
الإبل لي والبيت له رب يحميه
قال : وكان عبدالمطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم ، فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته ، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه ، فنزل أبرهة عن سريره ، فجلس على بساطه ، وأجلسه معه عليه إلى جنبه ، ثم قال لترجمانه : قل له : حاجتك ؟ فقال له ذلك الترجمان ؛فقال : حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي ؛ فلما قال له ذلك ، قال أبرهة لترجمانه : قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ، لا تكلمني فيه ! قال له عبدالمطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه ؛ قال : ما كان ليمتنع مني ؛ قال : أنت وذاك .
الوفد المرافق لعبدالمطلب
وكان فيما يزعم بعض أهل العلم ، قد ذهب مع عبدالمطلب إلى أبرهة ، حين بعث إليه حناطة ، يعمر بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن مناة بن كنانة ، وهو يومئذ سيد بني بكر ، وخويلد بن واثلة الهذلي ، وهو يومئذ سيد هذيل ؛ فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة ، على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم . والله أعلم أكان ذلك أم لا . فرد أبرهة على عبدالمطلب الإبل التي أصاب له .
قريش تستنصر الله على أبرهة
فلما انصرفوا عنه ، انصرف عبدالمطلب إلى قريش ، فأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالخروج من مكة ، والتحرز في شعف الجبال والشعاب : تخوفا عليهم من معرة الجيش ، ثم قام عبدالمطلب ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ، ويستنصرونه على أبرهة وجنده ، فقال عبدالمطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة :
لاهُمَّ إن العبد يمنع * رحله فامنع حلالكْ
لا يغلبنّ صليبهم * ومحالهم غدوا محالك
زاد الواقدي :
إن كنت تاركهم وقبلـ*ـتنا فأمر ما بدا لكْ
قال ابن هشام : هذا ما صح له منها .
شعر عكرمة بن عامر يدعو على الأسود بن مقصود
قال ابن إسحاق : وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي :
لاهُمَّ أخز الأسود بن مقصود * الآخذ الهجمة فيها التقليدْ
بين حراء وثبير فالبيد * يحبسها وهي أولات التطريد
فضمها إلى طماطم سود * أخفره يا رب وأنت محمود
قال ابن هشام :هذا ما صح له منها ؛ والطماطم : الأعلاج .
قال ابن إسحاق : ثم أرسل عبدالمطلب حلقة باب الكعبة ، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها .
أبرهة يهاجم الكعبة
فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله وعبىَّ جيشه ، وكان اسم الفيل محمودا ؛ وأبرهة مجمع لهدم البيت ، ثم الانصراف إلى اليمن . فلما وجهوا الفيل إلى مكة ، أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جنب الفيل ، ثم أخذه بأذنه ، فقال : ابرك محمود ، أو ارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام ، ثم أرسل أذنه .
فبرك الفيل ، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل ، وضربوا الفيل ليقوم فأبى . فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى ، فأدخلوا محاجن لهم في مراقِّه فبزغوه بها ليقوم فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن ، فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فبرك .
عقاب الله لأبرهة وجنده
فأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها : حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ،لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ، وليس كلهم أصابت .وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا ، ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته :
أين المفر والإله الطالب * والأشرم المغلوب ليس الغالب
قال ابن هشام : قوله : ( ليس الغالب ) عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : وقال نفيل أيضا :
ألا حييت عنا يا ردينا * نعمناكم مع الإصباح عينا
أتانا قابس منكم عشاء فلم يقدر لقابسكم لدينا
ردينة لو رأيت - ولا تريه * لدى جنب المحصب ما رأينا
إذا لعذرتني وحمدت أمري * ولم تأسي على ما فات بينا
حمدت الله إذ أبصرت طيرا * وخفت حجارة تُلقى علينا
و كل القوم يسأل عن نفيل * كأن علي للحبشان دينا
فخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون بكل مهلك على كل منهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم تسقط أنامله أُنمْلة أنملة ، كلما سقطت أنملة أتبعتها منه مدة تمثُّ قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ، فيما يزعمون .
قال ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة أنه حُدث : أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام ، وأنه أول ما رؤي بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعُشر ذلك العام .
الله جل جلاله يذكر حادثة الفيل ويمتن على قريش
قال ابن إسحاق : فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ، كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ، ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم ، فقال الله تبارك وتعالى : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . ألم يجعل كيدهم في تضليل . و أرسل عليهم طيرا أبابيل . ترميهم بحجارة من سجيل . فجعلهم كعصف مأكول ) . وقال : ( لإيلاف قريش . إيلافهم رحلة الشتاء والصيف . فليعبدوا رب هذا " البيت . الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) . أي لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها ، لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه .
تفسير مفردات سورتي الفيل وقريش
قال ابن هشام : الأبابيل : الجماعات ، ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه . وأما السجيل : فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب : الشديد الصلب .
قال رؤبة بن العجاج :
ومسهم ما مس أصحاب الفيلْ * ترميهم حجارة من سجيلْ
و لعبت طير بهم أبابيلْ *
وهذه الأبيات في أرجوزة له .
ذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية ، جعلتهما العرب كلمة واحدة ، وإنما هو سَنْج و جِلّ ، يعني بالسنج : الحجر ؛ وبالجل : الطين . يعني : الحجارة من هذين الجنسين : الحجر والطين . والعصف : ورق الزرع الذي لم يقصب ، وواحدته عصفة . قال : وأخبرني أبو عبيدة النحوي أنه يقال له : العصافة والعصيفة .
وأنشدني لعلقمة بن عبدة أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم :
تسقي مذانب قد مالت عصيفتها * حدورها من أتيّ الماء مطموم
وهذا البيت في قصيدة له . وقال الراجز :
فصُيرِّوا مثل كعصف مأكول
قال ابن هشام : ولهذا البيت تفسير في النحو .
وإيلاف قريش : إلفهم الخروج إلى الشام في تجارتهم ، وكانت لهم خرجتان : خرجة في الشتاء ، وخرجة في الصيف . أخبرني أبو زيد الأنصاري ، أن العرب تقول : ألفت الشيء إلفا ، وآلفته إيلافا ، في معنى واحد . وأنشدني لذي الرمة :
من المؤلفات الرمل أدماء حرة * شعاع الضحى في لونها يتوضح
وهذ البيت في قصيدة له . وقال مطرود بن كعب الخزاعي :
المنعمين إذا النجوم تغيرت * والظاعنين لرحلة الإيلاف
وهذا البيت في أبيات له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى . والإيلاف أيضا : أن يكون للإنسان ألف من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ، أو غير ذلك . يقال : آلف فلان إيلافا . قال الكميت بن زيد ، أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد :
بعام يقول له المؤلفو ن هذا المعيم لنا المرجل
وهذا البيت في قصيدة له . والإيلاف أيضا : أن يصير القوم ألفا ، يقال : آلف القوم إيلافا . قال الكميت بن زيد ،أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد :
وآل مزيقياء غداة لاقوا * بني سعد بن ضبة مؤلفينا
وهذا البيت في قصيدة له . والإيلاف أيضا : أن تؤلف الشيء إلى الشيء فيألفه و يلزمه ؛ يقال : آلفته إياه إيلافا . والإيلاف أيضا : أن تصيرِّ ما دون الألف ألفا ، يقال : آلفته إيلافا .
مصير قائد الفيل وسائسه
قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبدالرحمن ، بن سعد بن زرارة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان الناس .
فرار دوس ذي ثعلبان من ذي نواس واستنجاده بقيصر
قال ابن إسحاق : وأفلت منهم رجل من سبأ ، يقال له : دوس ذو ثعلبان ، على فرس له ، فسلك الرمل فأعجزهم ؛ فمضى على وجهه ذلك، حتى أتى قيصر ملك الروم ، فاستنصره على ذي نواس وجنوده ، وأخبره بما بلغ منهم ؛ فقال له : بعدت بلادك منا ، ولكن سأكتب لك إلى ملك الحبشة فإنه على هذا الدين ، وهو أقرب إلى بلادك ، وكتب إليه يأمره بنصره والطلب بثأره .
النجاشي ينصر دوسا
فقدم دوس على النجاشي بكتاب قيصر ، فبعث معه سبعين ألفا من الحبشة ، وأمر عليهم رجلا منهم يقال له أرياط ، ومعه في جنده أبرهة الأشرم ؛ فركب أرياط البحر حتى نزل بساحل اليمن ، ومعه دوس ذو ثعلبان .
نهاية ذي نواس
وسار إليه ذو نواس في حمير ، ومن أطاعه من قبائل اليمن ؛ فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه . فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه في البحر ، ثم ضربه فدخل به ، فخاض به ضحضاح البحر ، حتى أفضى به إلى غمره ، فأدخله فيه ، وكان آخر العهد به . ودخل أرياط اليمن ، فملكها .
شعر في دوس و ما كان منه
فقال رجل من أهل اليمن - وهو يذكر ما ساق إليهم دوس من أمر الحبشة :
لا كدوس ولا كأعلاق رحله
فهي مثل باليمن إلى هذا اليوم .
قول ذي جدن الحميري في هذه القصة
وقال ذو جدن الحميري :
هونكِ ليس يرد الدمع ما فاتا * لا تهلكي أسفا في إثر من ماتا
أبعد بينون لا عين ولا أثر * وبعد سلحين يبني الناس أبياتا
بينون وسلحين وغمدان : من حصون اليمن التي هدمها أرياط . ولم يكن في الناس مثلها .
وقال ذو جدن أيضا :
دعيني لا أبا لك لن تُطيقي * لحاك الله قد أنزفت ريقي
لدى عزف القيان إذ انتشينا * وإذ نُسقى من الخمر الرحيق
وشرب الخمر ليس علي عارا * إذا لم يشكني فيها رفيقي
فإن الموت لا ينهاه ناه * ولو شرب الشفاء مع النشوق
ولا مترهب في أسطوان * يناطح جُدْره بيض الأنوق
وغمدان الذي حدثت عنه * بنوه مُسَمَّكا في رأس نِيق
ِبمَنْهَمَةٍ وأسفله جرون * وحر الموحل اللثق الزليق
مصابيح السليط تلوح فيه * إذا يمسي كتوماض البروق
ونخلته التي غُرست إليه * يكاد البسر يهصر بالعذوق
فأصبح بعد جدته رمادا * وغيرَّ حسنه لهب الحريق
وأسلم ذو نواس مستكينا * وحذر قومه ضنك المضيق
قول ربيعة ابن الذئبة الثقفي في هذه القصة
وقال عبدالله ابن الذئبة الثقفي في ذلك . قال ابن هشام :الذئبة أمه ، واسمه ربيعة بن عبد ياليل بن سالم بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي:
لعمرك ما للفتى من مفر * مع الموت يلحقه والكبرْ
لعمرك ما للفتى صُحرة * لعمرك ما إنْ له من وزرْ
أبعد قبائل من حمير * أُبيدوا صباحا بذات العبر
بألفِ ألوفٍ وحُرَّابة * كمثل السماء قبيل المطر
يُصم صياحهم المقربات * وينفون من قاتلوا بالذفر
سَعَاِليَ مثل عديد الترا ب * تيبس منهم رطاب الشجر
قول عمرو بن معدي كرب الزبيدي في هذه القصة
وقال عمرو بن معدي كرب الزبيدي في شيء كان بينه وبين قيس بن مكشوح المرادي ، فبلغه أنه يتوعده ، فقال يذكر حمير وعزها ، وما زال من ملكها عنها :
أتوعدني كأنك ذو رعين * بأفضل عيشة ، أو ذو نُواسِ
وكائن كان قبلك من نعيم * وملك ثابت في الناس راسي
قديم عهده من عهد عاد * عظيم قاهر الجبروت قاسي
فأمسى أهله بادوا وأمسى * يحول من أناس في أناس
نسب زبيد ومراد
قال ابن هشام :زبيد بن سلمة بن مازن بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج ، ويقال : زبيد بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة ، ويقال : زبيد بن صعب بن سعد . ومراد : يحابر بن مذحج .
لماذا قال عمرو بن معدي كرب هذا الشعر ؟
قال ابن هشام :وحدثني أبو عبيدة ، قال :
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سلمان بن ربيعة الباهلي ، و باهلةبن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان ، وهو بأرمينية يأمره أن يفضل أصحاب الخيل العراب على أصحاب الخيل المقارف في العطاء ؛ فعرض الخيل ، فمر به فرس عمرو بن معدي كرب ؛ فقال له سلمان : فرسك هذا مقرف ؛ فغضب عمرو ، وقال : هجين عرف هجينا مثله ؛ فوثب إليه قيس فتوعده ؛ فقال عمرو هذه الأبيات .
تصديق قول شق وسطيح
قال ابن هشام :فهذا الذي عنى سطيح الكاهن بقوله : ( ليهبطن أرضكم الحبش ، فليملكن ما بين أبين إلى جرش ) . والذي عنى شق الكاهن بقوله: ( لينزلن أرضكم السودان ، فليغلبن على كل طفلة البنان ، و ليملكن ما بين أبين إلى نجران ) .
غلب أبرهة الأشرم على أمر اليمن ، و قتل أرياط
ما كان بين أرياط و أبرهة
قال ابن إسحاق : فأقام أرياط بأرض اليمن سنين في سلطانه ذلك ، ثم نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي - و كان في جنده - حتى تفرقت الحبشة عليهما .
فانحاز إلى كل واحد منهما طائفة منهم ، ثم سار أحدهما إلى الآخر ، فلما تقارب الناس أرسل أبرهة إلى أرياط : إنك لا تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئا فابرز إلي وأبرز إليك ، فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده .
فأرسل إليه أرياط : أنصفت فخرج إليه أبرهة ، وكان رجلا قصيرا لحيما حادرا وكان ذا دين في النصرانية ؛ وخرج إليه أرياط ، وكان رجلا جميلا عظيما طويلا ، وفي يده حربة له . وخلف أبرهة غلام له ، يقال له عتودة، يمنع ظهره . فرفع أرياط الحربة فضرب أبرهة ، يريد يافوخه ، فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته ، فبذلك سمي أبرهة الأشرم ، وحمل عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله ، وانصرف جند أرياط إلى أبرهة ، فاجتمعت عليه الحبشة باليمن ، و وَدَى أبرهة أرياط .
غضب النجاشي على أبرهة لقتله أرياط ثم رضاؤه عنه
فلما بلغ النجاشي غضب غضبا شديدا وقال : عدا على أميري فقتله بغير أمري ، ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ، ويجز ناصيته . فحلق أبرهة رأسه وملأ جرأبا من تراب اليمن ، ثم بعث به إلى النجاشي ، ثم كتب إليه :
أيها الملك : إنما كان أرياط عبدك ، وأنا عبدك ، فاختلفنا في أمرك ، وكلٌّ طاعته لك ، إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط لها وأسوس منه ؛ وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك ، وبعثت إليه بجراب تراب من أرضي ، ليضعه تحت قدميه ، فيبر قسمه فيّ .
فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه ، وكتب إليه : أنِ اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري . فأقام أبرهة باليمن .
أمر الفيل ، و قصة النسأة
بناء القليس أو كنيسة أبرهة
ثم إن أبرهة بنى القُلَّيْس بصنعاء ، فبنى كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ، ثم كتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي ، غضب رجل من النسأة ، أحد بني فُقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر .
معنى النسأة
والنسأة : الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية ، فيحلون الشهر من الأشهر الحرم ، ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل ، ليواطئوا عدة ما حرم الله ، ويؤخرون ذلك الشهر ففيه أنزل الله تبارك وتعالى : ( إنما النسيء زيادة في الكفر يُضل به الذين كفروا ، يحلونه عاما ، ويحرمونه عاما ، ليواطئوا عدة ما حرم الله ) .
المواطأة لغة
قال ابن هشام : ليواطئوا : ليوافقوا : والمواطأة : الموافقة ، تقول العرب : واطأتك على هذا الأمر ، أي وافقتك عليه . والإيطاء في الشعر الموافقة ، وهو اتفاق القافيتين من لفظ واحد ، وجنس واحد ، نحو قول العجَّاج - واسم العجاج عبدالله بن رؤبة أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار - :
في أُثعبان المَنْجَنونَ المرسلِ *
ثم قال :
مد الخليج في الخليج المرسل
وهذان البيتان في أرجوزة له .
أول من ابتدع النسيء
قال ابن إسحاق : وكان أول من نسأ الشهور علىالعرب ، فأحلت منها ما أحل ، وحرمت منها ما حرم القَلَمَّس ، وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة .
ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد بن حذيفة ، ثم قام بعد عباد : قلع بن عباد ، ثم قام بعد قلع : أمية بن قلع ، ثم قام بعد أمية : عوف بن أمية ، ثم قام بعد عوف أبو ثمامة جنادة بن عوف ، وكان آخرهم ، وعليه قام الإسلام ، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه ، فحرم الأشهر الحرم الأربعة : رجبا ، وذا القعدة ، وذا الحجة ، والمحرم .
فإذا أراد أن يحل منها شيئا أحل المحرم فأحلوه ، وحرم مكانه صفر فحرموه ، ليواطئوا عدة الأربعة الأشهر الحرم . فإذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال : اللهم إني قد أحللت لك أحد الصفرين ، الصفر الأول ، ونسأت الآخر للعام المقبل ، فقال في ذلك عمير بن قيس جذل الطعان أحد بني فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة ، يفخر بالنسأة على العرب :
لقد علمت معد أن قومي * كرام الناس أن لهم كراما
فأي الناس فاتونا بوتر * وأي الناس لم نعلك لجاما
ألسنا الناسئين على معد * شهور الحل نجعلها حراما ؟
قال ابن هشام : أول الأشهر الحرم المحرم .
الكناني يحدث في القليس ، و حملة أبرهة على الكعبة
قال ابن إسحاق : فخرج الكناني حتى أتى القليس فقعد فيها - قال ابن هشام :يعني أحدث فيها - قال ابن إسحاق : ثم خرج فلحق بأرضه ، فأخبر بذلك أبرهة فقال : من صنع هذا ؟ فقيل له : صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة لما سمع قولك : ( أصرف إليها حج العرب ) غضب فجاء فقعد فيها ، أي أنها ليست لذلك بأهل .
خروج أبرهة لهدم الكعبة
فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ، ثم سار وخرج معه بالفيل ؛ وسمعت بذلك العرب ، فأعظموه وفظعوا به ، ورأوا جهاده حقا عليهم ، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة ، بيت الله الحرام .
أشراف اليمن يدافعون عن البيت
فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له : ذو نفر ، فدعا قومه ، ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة ، وجهاده عن بيت الله الحرام ، وما يريد من هدمه وإخرابه ؛ فأجابه إلى ذلك من أجابه ، ثم عرض له فقاتله ، فهزم ذو نفر وأصحابه ، وأخذ له ذو نفر فأتي به أسيرا ، فلما أراد قتله قال له ذو نفر : أيها الملك ، لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي ؛ فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق ، وكان أبرهة رجلا حليما .
خثعم تجاهد أبرهة
ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له ، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قَبِيْلَيْ خثعم : شهران وناهس ، ومن تبعه من قبائل العرب ، فقاتله فهزمه أبرهة ، وأخذ له نفيل أسيرا ، فأتي به ، فلما هم بقتله قال له نفيل : أيها الملك ، لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي لك على قبيلَيْ خثعم : شهران وناهس بالسمع والطاعة ، فخلى سبيله .
ابن معتب و أبرهة
وخرج به معه يدله ، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف في رجال ثقيف .
نسب ثقيف و شعر ابن الصلت في ذلك
واسم ثقيف : قسي بن النبيت بن منبه بن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار بن معد بن عدنان .
قال أمية بن أبي الصلت الثقفي :
قومي إياد لو أنهم أمم * أو لو أقاموا فتهزل النعم
قوم لهم ساحة العراق إذا * ساروا جميعا والقط والقلم
وقال أمية بن أبي الصلت أيضا :
فإما تسألي عني لُبينى * وعن نسبي أخبرك اليقينا
فإنا للنبيت أبي قسي * لمنصور بن يقدم الأقدمينا
قال ابن هشام : ثقيف : قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . والبيتان الأولان والآخران في قصيدتين لأمية .
ثقيف تهادن أبرهة
قال ابن إسحاق : فقالوا له : أيها الملك ، إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ، ليس عندنا لك خلاف ، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللات - إنما تريد البيت الذي بمكة ، ونحن نبعث معك من يدلك عليه ، فتجاوز عنهم .
اللات
واللات : بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة .
قال ابن هشام : أنشدني أبو عبيدة النحوي لضرار بن الخطاب الفهري :
وفرت ثقيف إلى لاتها * بمنقلب الخائب الخاسر
وهذا البيت في أبيات له .
أبو رغال ورجم قبره
قال ابن إسحاق : فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة ، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس ؛ فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك ، فرجمت قبره العرب ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس .
الأسود بن مقصود يهاجم مكة
فلما نزل أبرهة المغمس ، بعث رجلا من الحبشة يقال له : الأسود بن مقصود على خيل له ، حتى انتهى إلى مكة ، فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم ، وأصاب فيها مائتي بعير لعبدالمطلب بن هاشم ، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها ، فهمت قريش وكنانة وهذيل ، ومن كان بذلك الحرم من سائر الناس بقتاله ، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به ، فتركوا ذلك .
رسول أبرهة إلى مكة
وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وقال له : سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفها ، ثم قال له : إن الملك يقول لك : إني لم آت لحربكم ، إنما جئت لهدم هذا البيت ، فإن لم تعرضوا دونه بحرب ، فلا حاجة لي بدمائكم ، فإن هو لم يرد حربي فأتني به .
فلما دخل حناطة مكة ، سأل عن سيد قريش وشريفها ، فقيل له : عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ؛ فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة ؛ فقال له عبدالمطلب : والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك من طاقة ، هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام - أو كما قال - فإنْ يمنعه منه فهو بيته وحرمه ، وإن يخل بينه وبينه ، فوالله ما عندنا دفع عنه ؛ فقال له حناطة : فانطلق معي إليه ، فإنه قد أمرني أن آتيه بك .
أنيس يشفع لعبدالمطلب
فانطلق معه عبدالمطلب ، ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر ، فسأل عن ذي نفر ، وكان له صديقا ، حتى دخل عليه وهو في محبسه ، فقال له : يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا ؟ فقال له ذو نفر : وما غناء رجل أسير بِيدَيْ ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا ما عندنا غناء في شيء مما نزل بك إلا أنّ أُنيسا سائس الفيل صديق لي ، وسأرسل إليه فأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك ، فتكلمه بما بدا لك و يشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك ؛ فقال : حسبي .
فبعث ذو نفر إلى أنيس ، فقال له : إن عبدالمطلب سيد قريش ، وصاحب عير مكة ، يطعم الناس بالسهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، وقد أصاب له الملك مائتي بعير ، فاستأذن له عليه ، وانفعه عنده بما استطعت ؛ فقال : أفعل .
فكلم أنيس أبرهة ، فقال له : أيها الملك ، هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك ، وهو صاحب عير مكة ، وهو يطعم الناس في السهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، فأذن له عليك ، فيكلمك في حاجته ، و أحسن إليه ، قال : فأذن له أبرهة .
الإبل لي والبيت له رب يحميه
قال : وكان عبدالمطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم ، فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته ، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه ، فنزل أبرهة عن سريره ، فجلس على بساطه ، وأجلسه معه عليه إلى جنبه ، ثم قال لترجمانه : قل له : حاجتك ؟ فقال له ذلك الترجمان ؛فقال : حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي ؛ فلما قال له ذلك ، قال أبرهة لترجمانه : قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ، لا تكلمني فيه ! قال له عبدالمطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه ؛ قال : ما كان ليمتنع مني ؛ قال : أنت وذاك .
الوفد المرافق لعبدالمطلب
وكان فيما يزعم بعض أهل العلم ، قد ذهب مع عبدالمطلب إلى أبرهة ، حين بعث إليه حناطة ، يعمر بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن مناة بن كنانة ، وهو يومئذ سيد بني بكر ، وخويلد بن واثلة الهذلي ، وهو يومئذ سيد هذيل ؛ فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة ، على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم . والله أعلم أكان ذلك أم لا . فرد أبرهة على عبدالمطلب الإبل التي أصاب له .
قريش تستنصر الله على أبرهة
فلما انصرفوا عنه ، انصرف عبدالمطلب إلى قريش ، فأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالخروج من مكة ، والتحرز في شعف الجبال والشعاب : تخوفا عليهم من معرة الجيش ، ثم قام عبدالمطلب ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ، ويستنصرونه على أبرهة وجنده ، فقال عبدالمطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة :
لاهُمَّ إن العبد يمنع * رحله فامنع حلالكْ
لا يغلبنّ صليبهم * ومحالهم غدوا محالك
زاد الواقدي :
إن كنت تاركهم وقبلـ*ـتنا فأمر ما بدا لكْ
قال ابن هشام : هذا ما صح له منها .
شعر عكرمة بن عامر يدعو على الأسود بن مقصود
قال ابن إسحاق : وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي :
لاهُمَّ أخز الأسود بن مقصود * الآخذ الهجمة فيها التقليدْ
بين حراء وثبير فالبيد * يحبسها وهي أولات التطريد
فضمها إلى طماطم سود * أخفره يا رب وأنت محمود
قال ابن هشام :هذا ما صح له منها ؛ والطماطم : الأعلاج .
قال ابن إسحاق : ثم أرسل عبدالمطلب حلقة باب الكعبة ، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها .
أبرهة يهاجم الكعبة
فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله وعبىَّ جيشه ، وكان اسم الفيل محمودا ؛ وأبرهة مجمع لهدم البيت ، ثم الانصراف إلى اليمن . فلما وجهوا الفيل إلى مكة ، أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جنب الفيل ، ثم أخذه بأذنه ، فقال : ابرك محمود ، أو ارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام ، ثم أرسل أذنه .
فبرك الفيل ، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل ، وضربوا الفيل ليقوم فأبى . فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى ، فأدخلوا محاجن لهم في مراقِّه فبزغوه بها ليقوم فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن ، فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فبرك .
عقاب الله لأبرهة وجنده
فأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها : حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ،لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ، وليس كلهم أصابت .وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا ، ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته :
أين المفر والإله الطالب * والأشرم المغلوب ليس الغالب
قال ابن هشام : قوله : ( ليس الغالب ) عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : وقال نفيل أيضا :
ألا حييت عنا يا ردينا * نعمناكم مع الإصباح عينا
أتانا قابس منكم عشاء فلم يقدر لقابسكم لدينا
ردينة لو رأيت - ولا تريه * لدى جنب المحصب ما رأينا
إذا لعذرتني وحمدت أمري * ولم تأسي على ما فات بينا
حمدت الله إذ أبصرت طيرا * وخفت حجارة تُلقى علينا
و كل القوم يسأل عن نفيل * كأن علي للحبشان دينا
فخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون بكل مهلك على كل منهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم تسقط أنامله أُنمْلة أنملة ، كلما سقطت أنملة أتبعتها منه مدة تمثُّ قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ، فيما يزعمون .
قال ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة أنه حُدث : أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام ، وأنه أول ما رؤي بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعُشر ذلك العام .
الله جل جلاله يذكر حادثة الفيل ويمتن على قريش
قال ابن إسحاق : فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ، كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ، ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم ، فقال الله تبارك وتعالى : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . ألم يجعل كيدهم في تضليل . و أرسل عليهم طيرا أبابيل . ترميهم بحجارة من سجيل . فجعلهم كعصف مأكول ) . وقال : ( لإيلاف قريش . إيلافهم رحلة الشتاء والصيف . فليعبدوا رب هذا " البيت . الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) . أي لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها ، لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه .
تفسير مفردات سورتي الفيل وقريش
قال ابن هشام : الأبابيل : الجماعات ، ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه . وأما السجيل : فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب : الشديد الصلب .
قال رؤبة بن العجاج :
ومسهم ما مس أصحاب الفيلْ * ترميهم حجارة من سجيلْ
و لعبت طير بهم أبابيلْ *
وهذه الأبيات في أرجوزة له .
ذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية ، جعلتهما العرب كلمة واحدة ، وإنما هو سَنْج و جِلّ ، يعني بالسنج : الحجر ؛ وبالجل : الطين . يعني : الحجارة من هذين الجنسين : الحجر والطين . والعصف : ورق الزرع الذي لم يقصب ، وواحدته عصفة . قال : وأخبرني أبو عبيدة النحوي أنه يقال له : العصافة والعصيفة .
وأنشدني لعلقمة بن عبدة أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم :
تسقي مذانب قد مالت عصيفتها * حدورها من أتيّ الماء مطموم
وهذا البيت في قصيدة له . وقال الراجز :
فصُيرِّوا مثل كعصف مأكول
قال ابن هشام : ولهذا البيت تفسير في النحو .
وإيلاف قريش : إلفهم الخروج إلى الشام في تجارتهم ، وكانت لهم خرجتان : خرجة في الشتاء ، وخرجة في الصيف . أخبرني أبو زيد الأنصاري ، أن العرب تقول : ألفت الشيء إلفا ، وآلفته إيلافا ، في معنى واحد . وأنشدني لذي الرمة :
من المؤلفات الرمل أدماء حرة * شعاع الضحى في لونها يتوضح
وهذ البيت في قصيدة له . وقال مطرود بن كعب الخزاعي :
المنعمين إذا النجوم تغيرت * والظاعنين لرحلة الإيلاف
وهذا البيت في أبيات له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى . والإيلاف أيضا : أن يكون للإنسان ألف من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ، أو غير ذلك . يقال : آلف فلان إيلافا . قال الكميت بن زيد ، أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد :
بعام يقول له المؤلفو ن هذا المعيم لنا المرجل
وهذا البيت في قصيدة له . والإيلاف أيضا : أن يصير القوم ألفا ، يقال : آلف القوم إيلافا . قال الكميت بن زيد ،أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد :
وآل مزيقياء غداة لاقوا * بني سعد بن ضبة مؤلفينا
وهذا البيت في قصيدة له . والإيلاف أيضا : أن تؤلف الشيء إلى الشيء فيألفه و يلزمه ؛ يقال : آلفته إياه إيلافا . والإيلاف أيضا : أن تصيرِّ ما دون الألف ألفا ، يقال : آلفته إيلافا .
مصير قائد الفيل وسائسه
قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبدالرحمن ، بن سعد بن زرارة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان الناس .
ayoub elfarissi- مشرف
- عدد المساهمات : 329
تاريخ التسجيل : 21/11/2009
العمر : 27
المستوى: : elayou97@hotmail.com
القسم : : 2/5
رد: السيرة النبوية
شكرا لك
taha- عضو اساسي
- عدد المساهمات : 1376
تاريخ التسجيل : 11/05/2010
العمر : 27
المستوى: : الثالثة
القسم : : 3/17
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء مايو 18, 2016 2:16 am من طرف RACHID
» برامج منوعة لتعليم الاطفال
الخميس مايو 28, 2015 3:14 pm من طرف RACHID
» les composantes d'un ordinateur
الأربعاء مايو 27, 2015 4:24 am من طرف RACHID
» برنامج crocodile clips بالنسبة لمادة الفيزياء و التكنولوجيا
الإثنين مايو 25, 2015 2:15 pm من طرف RACHID
» برامج تعليمية للاطفال
الإثنين مايو 18, 2015 2:58 pm من طرف RACHID
» امتحانات جهوية لمادة اللغة العربية 2014 مع التصحيح
الإثنين مايو 18, 2015 9:21 am من طرف RACHID
» امتحانات جهوية لمادة اللغة الفرنسية 2014 مع التصحيح
الأحد مايو 17, 2015 2:20 pm من طرف RACHID
» موقع يحتوي على مجموعة من الامتحانات الجهوية للتحميل مع التصحييح
الأحد مايو 17, 2015 6:23 am من طرف RACHID
» un lien très intéressant pour les enseignants de français
السبت سبتمبر 20, 2014 10:57 am من طرف redha