دخول
مواضيع مماثلة
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 4236 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو ismailajray فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 32000 مساهمة في هذا المنتدى في 7320 موضوع
المواضيع الأخيرة
و اجني الارباح
COUR RESEAU
الوطن و المواطنة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الوطن و المواطنة
ما هو الوطن؟ ما هي المواطنة؟
جاء في تعريف مسمى (وطن) في لسان العرب لأبن منظور القول بأن وطن: الوطن: المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله،.. والجمع أوطان. وأوطان الغنم والبقر: مرابضها وأماكنها التي تأوي إليها،.. وطن بالمكان وأوطن أقام،.. وأوطنه اتخذه وطناً. يقال: أوطن فلان أرض كذا وكذا أي اتخذها محلاً ومسكناً يقيم فيها، وأوطنت الأرض ووطنتها توطيناً وأستوطنها أي اتخذتها وطناً. (2)
أما في الاصطلاح السياسي المعاصر فيقصد بالوطن " الجهة التي يقيم فيها الشخص دائماً أو التي له بها مصلحة أو فيها مقر عائلته ".(3)
(2) - ابن منظور: لسان العرب ، المجلد 13 - حرف " ن " ص: 451 ، دار صادر بيروت.
(3) - القاموس السياسي: أحمد عطية الله ، مادة ( موطن ) ص: 1268 ، دار النهضة العربية ، ط: 3.
والمواطنة - المواطنية: هي صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماءه إلى.(4) وفي القرآن الكريم لم يستعمل لفظ (وطن)، ولكن قد يستعمل لفظ (بلد).
وهناك سورة في القرآن باسم سورة (البلد) وهي السورة رقم (90) في المصحف الشريف، يقول تعالى: { لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ. وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ } (5). ومنها ] بلدة وبلاد [ (6). كقوله تعالى: { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } (7)، وقوله تعالى: { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ } (
كما استعملت لفظة (ديار) يقول تعالى: { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا }.(9)
ومن الحديث الشريف يمكننا الاستشهاد بالحديث المتداول والمشهور وهو: ((حب الوطن من
الإيمان)) (10) فمن المظاهر الإيمانية للإنسان أن يحب وطنه - وبلده.
(4) - الموسوعة السياسية: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، المجلد 6 ، مادة ( مواطنة ) ص: 373 ، ط: 1 - 1990م.
(5) - سورة البلد / آية: 1-2.
(6) - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: محمد فؤاد عبد الباقي - مادة ( بلد ) ص: 133 - 134.
(7) - سورة سبا / آية: 15.
( - سورة الفجر / آية: 8.
(9) - سورة البقرة / آية: 246.
(10) - الشيخ عباس القمي / سفينة البحار ، ج: 2 ص: 668 - مؤسسة انتشارات فراهاني / إيران.
حب الوطن
حينما نطالع التاريخ الإنساني للشعوب والمجتمعات، نجد في صميم ثقافتها وآدابها مساحة واسعة عبرت من خلالها تلك الشعوب والمجتمعات عن حبها وعشقها لبلدانها وأوطانها، وعن تعلقهم بتراب الأرض الذي نشأوا منه وتربوا فيه وكانت العرب إذا سافرت حملت معها من تربة أرضها ما تستنشق ريحه وتطرحه في الماء إذا شربته
كما أن حب الإنسان لبلده ليس له علاقة بتلك الميزات الخاصة لكل بلد من البلدان، فلربما تكون ميزات بعض البلدان من المنظور الاقتصادي أو الموقع الجغرافي أو حتى الجمالي الطبيعي أو غير ذلك أكثر من بعض، وربما يكون لهذا البلد أو ذاك أقل الحظ من هذه الميزات، ولكن البلد كبلد يحبه مواطنوه ويتعلقون به وينشدون إليه.. وكما يقول الشاعر:
وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن
وكنا الفناها ولم تك مألفاً
هواء ولا ماء ولكنها وطن (12)
كما تؤلف الأرض التي لم يطب بها
فحتى لو كان مناخ هذا الوطن وتضاريسه ليس بأحسن من غيره من البلدان بل حتى لو كان أسوأ من غيره لهذه أو تلك من الأسباب، حتى لو كان كذلك، لكفى أن يعشقها الإنسان لمجرد أنها مسقط رأسه، ولأن جذوره ضاربة في أعماقها، فهو في حالة انشداد دائم نحوها، وهو يميل إليها كل الميل دون سواها.. قال الشاعر:
إلى وسلمى أن يصوب سحابها
احب بلاد الله ما بين منعج
وأول أرض مس جلدي ترابها
بلاد بها نيطت علي تمائمي
وقال ابن عباس: لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم لما اشتكى أحد الرزق. ومن الكلام القديم: لولا الوطن وحبه لخرب بلد السوء (13).
والوطن يرتبط في وجدان الإنسان بذكريات طفولته ومرحلة صباه وفترة شبابه وهي ذكريات عزيزة غالية، يقول ابن الرومي:
مآرب قضاها الشباب هنالكا
وحبب أوطان الرجال اليهم
عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا (14)
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم
أن يعيش الإنسان في ربوع وطنه، وأن يتمتع بالحياة في بلده ومسقط رأسه فذلك حق طبيعي، لا يحق لجهة أن تصادره.
ويندد الله تعالى بالمتسلطين الكافرين الذين يُلجئون المؤمنين المواطنين إلى ترك أوطانهم لا لشيء إلا لتميزهم العقيدي والديني فاختلاف العقيدة والدين لا يبرر الحرمان من الوطن ومصادرة حق الإنسان في العيش في وطنه.
فقوم نبي الله لوط (عليه السلام) توعدوه والمؤمنين به بأن يخرجوهم من بلادهم نكاية بهم لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بالله وخالفوا السلوك المنحرف الشاذ لقومهم: { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } (15).
{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } (16).
ونبي الله شعيب (عليه السلام) كذلك شهر أمامه المتسلطون سلاح الإبعاد عن الوطن لإخضاعه لآرائهم الفاسدة بالإكراه { قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } (17).
ويبدوا أن هذا هو منهج جميع المتسلطين الكافرين تجاه الأنبياء والمؤمنين يقول تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } (18).
وهنا يشرع الإسلام الجهاد والقتال للإنسان دفاعاً عن هذا الحق الطبيعي: حق العيش في الوطن، ويدعو إلى إعلان الحرب على المتسلطين الذين يحرمون المواطنين الأبرياء من نعمة الحياة في بلادهم وديارهم.
يقول تعالى: { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا } (19).
ويقول تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } (20).
وهذه الآيات الكريمة من سورة الحج تعتبر أول تشريع للجهاد في الإسلام.
الدين وحب الوطن
هناك علاقة وثيقة بين التدين وحب الوطن، لأن الدين الحقيقي ينعكس أثره على علاقات الإنسان مع الأشياء من حوله، فتصبح تلك العلاقات قويمة واضحة، لذلك يكون حب الوطن جزءاً من الإيمان ومظهراً من مظاهره وفقاً للحديث الشريف ((حب الوطن من الإيمان)) (21).
ولماذا لا يحب الإنسان وطنه ولا ينشد إليه؟ وقد ابتنى جسمه من غذائه وارتوى من مائه، واستنشق عبير هوائه؟ إن في ذلك دلالة على حالة من اللؤم وعدم الإنصاف. بينما يكون التعلق بالوطن والمحبة له أثر لتجذر الكرامة في نفس الإنسان يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): ((من كرم المرء.. حنينه إلى أوطانه)) (22) وهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما اضطر إلى مغادرة مسقط رأسه مكة المكرمة والهجرة إلى المدينة المنورة، عبر عن مشاعره الجيّاشه تجاه موطنه، وأبرز مدى تعلقه به، وألمه لفراقه كما عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند خروجه من مكة وقف على الحَزوَرَة (سوق بمكة) فقال:
((والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك)) (23).
وذكر ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري في كتابه تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام في باب بعنوان (الشوق والحنين إلى الأوطان والوله إلى الأهل): أنه قدم أبان بن سعيد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أبان كيف تركت أهل مكة؟
- فقال تركتهم وقد جيدوا، تركت الإذخر وقد اعذق، تركت الثمام وقد خالص، فاغرورقت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (24).
وكان يقال: ((ميلك إلى مولدك من كرم محتدك)) (25).
وحينما يتحدث الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) عن جهاد جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وجهوده يشير إلى فراق الوطن والغربة عنه كمفردةٍ بارزةٍ في معاناة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول (عليه السلام) في الدعاء الثاني من أدعية الصحيفة السجادية: ((وهاجر إلى بلاد الغربة، ومحلّ النأي عن موطن رحله، وموضع رجله، ومسقط رأسه، ومأنس نفسه لإعزاز دينك)) (26).
وأيضاً في دعائه لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطلب الإمام زين العابدين لهم من الله الأجر والشكر لتحملهم عناء الهجرة عن أوطانهم فيقول: ((واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم)) (27) ويعلق أحد العلماء الأعلام على هاتين الفقرتين من دعاء
زين العابدين (عليه السلام) بقوله: مع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة هاجروا إلى المدينة قاعدة الإسلام ومركز دولته وعبر عنها الإمام (عليه السلام) بأنها (بلاد الغربة) (28).
وروي انه (صلى الله عليه وآله) لما خرج منها (مكة) مهاجراً التفت إليها وظن انه لا يعود إليها ولا يراها بعد ذلك فأدركته رقة وبكى فأتاه جبرائيل (عليه السلام) وتلا عليه قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}، وقيل نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجرته وقد اشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرم إبراهيم (عليه السلام) فنزل جبرائيل (عليه السلام) فقال له: أتشتاق إلى مكة؟ قال: نعم. فأوحاها إليه (29).
(11) - ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة - ج: 4 ، ص: 477 / دار إحياء التراث العربي - بيروت.
(12) - المصدر السابق.
(13) - المصدر السابق.
(14) - المصدر السابق.
(15) - سورة الأعراف / آية: 82.
(16) - سورة النمل / آية: 56.
(17) - سورة الأعراف / آية: 88.
(18) - سورة إبراهيم / آية 13.
(19) - سورة البقرة / آية 246.
(20) - سورة الحج / آية: 39 - 40.
(21) - القمي / سفينة البحار ، ج: 2 ، ص: 668.
(22) - المجلسي / بحار الأنوار ، ج: 71 ، ص: 264.
(23) - الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي / سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - ج: 3 ، ص: 236. دار الكتب العلمية - بيروت ، الطبعة الأولى 1993 م.
(24) - ورّام بن أبي فراس / تنبيه الخواطر ، ج: 1 ، ص: 38. دار صعب ، دار التعارف / بيروت.
(25) - ابن أبي الحديد / شرح نهج البلاغة ، ج: 4 ، ص: 477.
(26) - الصحيفة السجادية / الدعاء الثاني.
(27) - الصحيفة السجادية / الدعاء الرابع.
(28) - الشيخ محمد مهدي شمس الدين / في الاجتماع السياسي الإسلامي ، ص: 145 ، الطبعة الأولى 1992م / بيروت.
(29) - السيد علي خان المدني / رياض السالكين ، ج 1: ص475 ، مؤسسة النشر الإسلامي - قم.
جاء في تعريف مسمى (وطن) في لسان العرب لأبن منظور القول بأن وطن: الوطن: المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله،.. والجمع أوطان. وأوطان الغنم والبقر: مرابضها وأماكنها التي تأوي إليها،.. وطن بالمكان وأوطن أقام،.. وأوطنه اتخذه وطناً. يقال: أوطن فلان أرض كذا وكذا أي اتخذها محلاً ومسكناً يقيم فيها، وأوطنت الأرض ووطنتها توطيناً وأستوطنها أي اتخذتها وطناً. (2)
أما في الاصطلاح السياسي المعاصر فيقصد بالوطن " الجهة التي يقيم فيها الشخص دائماً أو التي له بها مصلحة أو فيها مقر عائلته ".(3)
(2) - ابن منظور: لسان العرب ، المجلد 13 - حرف " ن " ص: 451 ، دار صادر بيروت.
(3) - القاموس السياسي: أحمد عطية الله ، مادة ( موطن ) ص: 1268 ، دار النهضة العربية ، ط: 3.
والمواطنة - المواطنية: هي صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماءه إلى.(4) وفي القرآن الكريم لم يستعمل لفظ (وطن)، ولكن قد يستعمل لفظ (بلد).
وهناك سورة في القرآن باسم سورة (البلد) وهي السورة رقم (90) في المصحف الشريف، يقول تعالى: { لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ. وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ } (5). ومنها ] بلدة وبلاد [ (6). كقوله تعالى: { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } (7)، وقوله تعالى: { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ } (
كما استعملت لفظة (ديار) يقول تعالى: { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا }.(9)
ومن الحديث الشريف يمكننا الاستشهاد بالحديث المتداول والمشهور وهو: ((حب الوطن من
الإيمان)) (10) فمن المظاهر الإيمانية للإنسان أن يحب وطنه - وبلده.
(4) - الموسوعة السياسية: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، المجلد 6 ، مادة ( مواطنة ) ص: 373 ، ط: 1 - 1990م.
(5) - سورة البلد / آية: 1-2.
(6) - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: محمد فؤاد عبد الباقي - مادة ( بلد ) ص: 133 - 134.
(7) - سورة سبا / آية: 15.
( - سورة الفجر / آية: 8.
(9) - سورة البقرة / آية: 246.
(10) - الشيخ عباس القمي / سفينة البحار ، ج: 2 ص: 668 - مؤسسة انتشارات فراهاني / إيران.
حب الوطن
حينما نطالع التاريخ الإنساني للشعوب والمجتمعات، نجد في صميم ثقافتها وآدابها مساحة واسعة عبرت من خلالها تلك الشعوب والمجتمعات عن حبها وعشقها لبلدانها وأوطانها، وعن تعلقهم بتراب الأرض الذي نشأوا منه وتربوا فيه وكانت العرب إذا سافرت حملت معها من تربة أرضها ما تستنشق ريحه وتطرحه في الماء إذا شربته
كما أن حب الإنسان لبلده ليس له علاقة بتلك الميزات الخاصة لكل بلد من البلدان، فلربما تكون ميزات بعض البلدان من المنظور الاقتصادي أو الموقع الجغرافي أو حتى الجمالي الطبيعي أو غير ذلك أكثر من بعض، وربما يكون لهذا البلد أو ذاك أقل الحظ من هذه الميزات، ولكن البلد كبلد يحبه مواطنوه ويتعلقون به وينشدون إليه.. وكما يقول الشاعر:
وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن
وكنا الفناها ولم تك مألفاً
هواء ولا ماء ولكنها وطن (12)
كما تؤلف الأرض التي لم يطب بها
فحتى لو كان مناخ هذا الوطن وتضاريسه ليس بأحسن من غيره من البلدان بل حتى لو كان أسوأ من غيره لهذه أو تلك من الأسباب، حتى لو كان كذلك، لكفى أن يعشقها الإنسان لمجرد أنها مسقط رأسه، ولأن جذوره ضاربة في أعماقها، فهو في حالة انشداد دائم نحوها، وهو يميل إليها كل الميل دون سواها.. قال الشاعر:
إلى وسلمى أن يصوب سحابها
احب بلاد الله ما بين منعج
وأول أرض مس جلدي ترابها
بلاد بها نيطت علي تمائمي
وقال ابن عباس: لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم لما اشتكى أحد الرزق. ومن الكلام القديم: لولا الوطن وحبه لخرب بلد السوء (13).
والوطن يرتبط في وجدان الإنسان بذكريات طفولته ومرحلة صباه وفترة شبابه وهي ذكريات عزيزة غالية، يقول ابن الرومي:
مآرب قضاها الشباب هنالكا
وحبب أوطان الرجال اليهم
عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا (14)
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم
أن يعيش الإنسان في ربوع وطنه، وأن يتمتع بالحياة في بلده ومسقط رأسه فذلك حق طبيعي، لا يحق لجهة أن تصادره.
ويندد الله تعالى بالمتسلطين الكافرين الذين يُلجئون المؤمنين المواطنين إلى ترك أوطانهم لا لشيء إلا لتميزهم العقيدي والديني فاختلاف العقيدة والدين لا يبرر الحرمان من الوطن ومصادرة حق الإنسان في العيش في وطنه.
فقوم نبي الله لوط (عليه السلام) توعدوه والمؤمنين به بأن يخرجوهم من بلادهم نكاية بهم لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بالله وخالفوا السلوك المنحرف الشاذ لقومهم: { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } (15).
{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } (16).
ونبي الله شعيب (عليه السلام) كذلك شهر أمامه المتسلطون سلاح الإبعاد عن الوطن لإخضاعه لآرائهم الفاسدة بالإكراه { قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } (17).
ويبدوا أن هذا هو منهج جميع المتسلطين الكافرين تجاه الأنبياء والمؤمنين يقول تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } (18).
وهنا يشرع الإسلام الجهاد والقتال للإنسان دفاعاً عن هذا الحق الطبيعي: حق العيش في الوطن، ويدعو إلى إعلان الحرب على المتسلطين الذين يحرمون المواطنين الأبرياء من نعمة الحياة في بلادهم وديارهم.
يقول تعالى: { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا } (19).
ويقول تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } (20).
وهذه الآيات الكريمة من سورة الحج تعتبر أول تشريع للجهاد في الإسلام.
الدين وحب الوطن
هناك علاقة وثيقة بين التدين وحب الوطن، لأن الدين الحقيقي ينعكس أثره على علاقات الإنسان مع الأشياء من حوله، فتصبح تلك العلاقات قويمة واضحة، لذلك يكون حب الوطن جزءاً من الإيمان ومظهراً من مظاهره وفقاً للحديث الشريف ((حب الوطن من الإيمان)) (21).
ولماذا لا يحب الإنسان وطنه ولا ينشد إليه؟ وقد ابتنى جسمه من غذائه وارتوى من مائه، واستنشق عبير هوائه؟ إن في ذلك دلالة على حالة من اللؤم وعدم الإنصاف. بينما يكون التعلق بالوطن والمحبة له أثر لتجذر الكرامة في نفس الإنسان يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): ((من كرم المرء.. حنينه إلى أوطانه)) (22) وهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما اضطر إلى مغادرة مسقط رأسه مكة المكرمة والهجرة إلى المدينة المنورة، عبر عن مشاعره الجيّاشه تجاه موطنه، وأبرز مدى تعلقه به، وألمه لفراقه كما عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند خروجه من مكة وقف على الحَزوَرَة (سوق بمكة) فقال:
((والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك)) (23).
وذكر ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري في كتابه تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام في باب بعنوان (الشوق والحنين إلى الأوطان والوله إلى الأهل): أنه قدم أبان بن سعيد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أبان كيف تركت أهل مكة؟
- فقال تركتهم وقد جيدوا، تركت الإذخر وقد اعذق، تركت الثمام وقد خالص، فاغرورقت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (24).
وكان يقال: ((ميلك إلى مولدك من كرم محتدك)) (25).
وحينما يتحدث الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) عن جهاد جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وجهوده يشير إلى فراق الوطن والغربة عنه كمفردةٍ بارزةٍ في معاناة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول (عليه السلام) في الدعاء الثاني من أدعية الصحيفة السجادية: ((وهاجر إلى بلاد الغربة، ومحلّ النأي عن موطن رحله، وموضع رجله، ومسقط رأسه، ومأنس نفسه لإعزاز دينك)) (26).
وأيضاً في دعائه لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطلب الإمام زين العابدين لهم من الله الأجر والشكر لتحملهم عناء الهجرة عن أوطانهم فيقول: ((واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم)) (27) ويعلق أحد العلماء الأعلام على هاتين الفقرتين من دعاء
زين العابدين (عليه السلام) بقوله: مع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة هاجروا إلى المدينة قاعدة الإسلام ومركز دولته وعبر عنها الإمام (عليه السلام) بأنها (بلاد الغربة) (28).
وروي انه (صلى الله عليه وآله) لما خرج منها (مكة) مهاجراً التفت إليها وظن انه لا يعود إليها ولا يراها بعد ذلك فأدركته رقة وبكى فأتاه جبرائيل (عليه السلام) وتلا عليه قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}، وقيل نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجرته وقد اشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرم إبراهيم (عليه السلام) فنزل جبرائيل (عليه السلام) فقال له: أتشتاق إلى مكة؟ قال: نعم. فأوحاها إليه (29).
(11) - ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة - ج: 4 ، ص: 477 / دار إحياء التراث العربي - بيروت.
(12) - المصدر السابق.
(13) - المصدر السابق.
(14) - المصدر السابق.
(15) - سورة الأعراف / آية: 82.
(16) - سورة النمل / آية: 56.
(17) - سورة الأعراف / آية: 88.
(18) - سورة إبراهيم / آية 13.
(19) - سورة البقرة / آية 246.
(20) - سورة الحج / آية: 39 - 40.
(21) - القمي / سفينة البحار ، ج: 2 ، ص: 668.
(22) - المجلسي / بحار الأنوار ، ج: 71 ، ص: 264.
(23) - الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي / سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - ج: 3 ، ص: 236. دار الكتب العلمية - بيروت ، الطبعة الأولى 1993 م.
(24) - ورّام بن أبي فراس / تنبيه الخواطر ، ج: 1 ، ص: 38. دار صعب ، دار التعارف / بيروت.
(25) - ابن أبي الحديد / شرح نهج البلاغة ، ج: 4 ، ص: 477.
(26) - الصحيفة السجادية / الدعاء الثاني.
(27) - الصحيفة السجادية / الدعاء الرابع.
(28) - الشيخ محمد مهدي شمس الدين / في الاجتماع السياسي الإسلامي ، ص: 145 ، الطبعة الأولى 1992م / بيروت.
(29) - السيد علي خان المدني / رياض السالكين ، ج 1: ص475 ، مؤسسة النشر الإسلامي - قم.
وصال الفلاح- عضو مبتدئ
- عدد المساهمات : 72
تاريخ التسجيل : 24/11/2009
العمر : 26
المستوى: : 1ere anne
القسم : : a
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء مايو 18, 2016 2:16 am من طرف RACHID
» برامج منوعة لتعليم الاطفال
الخميس مايو 28, 2015 3:14 pm من طرف RACHID
» les composantes d'un ordinateur
الأربعاء مايو 27, 2015 4:24 am من طرف RACHID
» برنامج crocodile clips بالنسبة لمادة الفيزياء و التكنولوجيا
الإثنين مايو 25, 2015 2:15 pm من طرف RACHID
» برامج تعليمية للاطفال
الإثنين مايو 18, 2015 2:58 pm من طرف RACHID
» امتحانات جهوية لمادة اللغة العربية 2014 مع التصحيح
الإثنين مايو 18, 2015 9:21 am من طرف RACHID
» امتحانات جهوية لمادة اللغة الفرنسية 2014 مع التصحيح
الأحد مايو 17, 2015 2:20 pm من طرف RACHID
» موقع يحتوي على مجموعة من الامتحانات الجهوية للتحميل مع التصحييح
الأحد مايو 17, 2015 6:23 am من طرف RACHID
» un lien très intéressant pour les enseignants de français
السبت سبتمبر 20, 2014 10:57 am من طرف redha